تريندات

متى فرض الصيام على المسلمين

جدول ال

متى فرض الصيام على المسلمين ؟ سؤال شرعي مهم تبحث إجابته في السنة الهجرية التي نزل فيها فرض الصيام على المسلمين، وهذا السؤال على وجه الخصوص يبيِّن الوقت الزمني وحال الدولة الإسلامية في الوقت الذي فرض الله تعالى فيه الصيام بالإضافة إلى مراحل فرض الصيام التي مرَّ بها المسلمون في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي هذا المقال سوف نعرف الصيام في الإسلام أولًا، ثمَّ سنجيب عن سؤال متى فرض الصيام على المسلمين ثمَّ سنتحدث عن الحكمة من فرض الصيام، وعن الصيام عند الأمم السابقة.

الصيام في الإسلام

الصيام في الإسلام هو ركن رئيس من أركان الإسلام الخمسة، وهو عبادة من العبادات التي فرضها الله تعالى على المسلمين، وهو أن يمتنع الإنسان عن الطعام والشراب والشهوات منذ طلوع الفجر الثاني حتَّى غروب الشمس مع النية، والتعريف الموحد الذي اعتمده العلماء للصيام هو: “الإمساك عن المفطرات على وجه مخصوص، وشروط مخصوصة من طلوع الفجر الثاني، إلى غروب الشمس، بنية”، وهذا التعريف لا يقتصر على صيام شهر رمضان الذي هو الصيام الوحيد في المفروض في الإسلام، وإنَّما يشمل كل أنواع الصيام من فرض العين وصيام التطوع والنوافل والسنن، والصيام فرض مكتوب على المسلمين ذكرهم وأثناهم، كبيرهم وصغيرهم، ويُستثنى منهم الحائض حتَّى تطهر، والمريض حتَّى يشفى، وبعض الرُّخص والاستثناءات التي حددها الشرع، قال تعالى في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[1] والله تعالى أعلم.[2]

شاهد أيضًا: هل يجوز الصيام في شهر شعبان

متى فرض الصيام على المسلمين

فرض الله سبحانه وتعالى الصيام على المسلمين في السنة الثانية للهجرة، حيث فرض عليهم صيام شهر رمضان من كل عام، وهذا يعني أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صام تسع رمضانات في حياته، فقد مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سنة 11 للهجرة، اي بعد 9 سنوات من فرض الصيام على المسلمين، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: “صام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رمضان تسع سنين ، لأنه فرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة وتوفي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة”، والله تعالى أعلم.[3]

مراحل فرض الصيام على المسلمين

لم يفرض الله سبحانه وتعالى الصيام على المسلمين مرَّة واحدة، بل فرضه بالتدرج على ثلاث مراحل، وهذا ما ثبت في حديث الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، حيث قال: “أحيل الصيام ثلاثة أحوال”، وقال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: “كان للصوم رتب ثلاث: إحداها: إيجابه بوصف التخيير، والثاني: تحتمه، لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يطعم حرم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة، فنسخ ذلك بالمرتبة الثالثة وهي التي استقر عليها الشرع إلى يوم القيامة”، وفيما يأتي سوف نتحدَّث بالتفصيل عن مراحل الصيام الثلاث التي مرَّ بها المسلمون في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:[4]

المرحلة الأولى مرحلة التخيير

في المرحلة الأولى تم تخيير المسلمين ما بين صيام شهر رمضان كاملًا، أو دفع فدية عن كل يوم يفطر فيه المسلم، وكانت الفدية إطعام مسكين، قال تعالى في سورة البقرة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[5] ومعنى كلمة يطيقونه في الآية الكريمة، أي الذين يستطيعون الصيام ولكنَّهم لم يصوموا، جاء في صحيح الإمام مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنَّه قال: “لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كانَ مَن أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ، حتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا”[6] والمقصود بالآية التي بعدها قول الله تعالى في سورة البقرة: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[7] والله تعالى أعلم.

المرحلة الثانية مرحلة الوجوب

في هذه المرحلة تمَّ فرض الصيام على من كان بالغًا عاقلًا صحيحًا من المسلمين، وكان هذا الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإذا غربت الشمس أصبح محللًا للصائم أن يأكل ويشرب إذا لم ينم، فإن نام، حُرم عليه الأكل والشرب والجِماع حتَّى غروب شمس اليوم التالي، جاء عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنَّه قال: “كانَ أصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ ولَا يَومَهُ حتَّى يُمْسِيَ ..”[8] والله تعالى أعلم.

المرحلة الثالثة مرحلة التثبيت

في هذه المرحلة أحل للمسلمين الصوم على الطريقة المعروفة اليوم، أي أن يصوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس من كل يوم، نام في ليله أم لم ينم، وقد جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: “وإنَّ قَيْسَ بنَ صِرْمَةَ الأنْصَارِيَّ كانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإفْطَارُ أتَى امْرَأَتَهُ، فَقالَ لَهَا: أعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قالَتْ: لا ولَكِنْ أنْطَلِقُ فأطْلُبُ لَكَ، وكانَ يَومَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عليه، فَذُكِرَ ذلكَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكُمْ} فَفَرِحُوا بهَا فَرَحًا شَدِيدًا، ونَزَلَتْ: {وَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ}”[8] والله تعالى أعلم.

الحكمة من التدرج في فرض الصيام

تكمن الحكمة في هذا التدرج في فرضِ الصِّيام على المسلمين في أنَّه كان الصوم عند العرب غير مألوف ولا معتاد وكانت نفوس العرب غير متعودة على الصوم بعد، ولم تعرف عواقب الصوم العظيمة وحلاوته المأمولة، فكان لزامًا أن يكون الفرض على مراحل، حتَّى تلين النفوس لهذه العبادة العظيمة شيئًا فشيئًا، قال ابن القيم الجوزية في الحكمة من هذا التدرج: “لمّا كان أي: الصّوم غيرَ مألوفٍ لهم، ولا معتادٍ، والطِّباعُ تأباه؛ إذ هو هجرُ مألوفِها ومحبوبِها، ولم تذقْ بعدُ حلاوتَه وعواقبَه المحمودةَ، وما في طيِّه من المصالح والمنافع، فخُيِّرت بينه وبين الإطعام، وندبت إليه، فلمّا عرَفَت علّته وألِفَتْه، وعرفت ما تضمّنه من المصالح والفوائد، حُتِم عليها عيناً، ولم يقبل منها سواه، فكان التّخيير في وقته مصلحةً، وتعيينُ الصّوم في وقته مصلحة، فاقتضت الحكمة البالغة شرعَ كلِّ حكمٍ في وقته؛ لأنّ المصلحة فيه في ذلك الوقت”، والله أعلم.[4]

أين فرض الصيام على المسلمين

لقد ثبت في كتب السيرة وعن السلف أنَّ الله تعالى فرض الصيام على المسلمين في السنة الثانية للهجرة، أي بعد سنتين من الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وهذا يعني أنَّ الصيام فُرض في المدينة المنورة على المسلمين، وقد صام رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام تسعة شهور من شهر رمضان على تسع سنوات عاشها بعد فرض الصيام، والله أعلم.[9]

الصيام في الأمم السابقة

لقد فرض الله سبحانه وتعالى الصيام على الأمم السابقة، وهذا واضح في الآية القرآنية الكريمة التي يقول فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وهذه الآية الكريمة تدل بشكل صريح على أنَّ الله تعالى فرض الصيام على الأمم التي سبقت رسول الله محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، وعلى الرغم من أن التفسير لم يحدد الأم التي فُرض عليها الصيام، إلَّا أنَّ عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: “هم أهل الكتاب”، أي أنَّ أهل الكتاب هم من فُرض عليهم الصيام قبل أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وقال الحسن البصري رحمه الله: “نعم، والله لقد كتب الصيام على كل أمة قد خلت، كما كتبه علينا شهرًا كاملًا”.

أمَّا الصيام الوارد في قصة زكريا ومريم في القرآن الكريم، فهو صيام عن الكلام، فالصيام في معناه اللغوي هو الامتناع، وقد يكون الامتناع عن الكلام أيضًا، قال تعالى في سورة آل عمران: {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}[10] وقال تعالى في سورة مريم: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}[11]، والله تعالى أعلم.

إلى هنا نصل إلى نهاية هذا المقال الذي سلَّطنا فيه الضوء على إجابة سؤال متى فرض الصيام على المسلمين وتحدَّثنا عن المكان الذي فرض الله تعالى فيه الصيام على المسلمين، بالإضافة إلى مراحل الصيام والحكمة من التدرج في هذه المراحل، والحديث عن الصيام عند الأمم السابقة.

المراجع

  1. ^سورة البقرة , الآية 183.
  2. ^marefa.org , صوم (إسلام) , 23032021
  3. ^islamqa.info , متى فرض الصيام ؟ , 23032021
  4. ^alukah.net , مراحل تشريع صيام شهر رمضان , 23032021
  5. ^سورة البقرة , الآية 184.
  6. ^صحيح مسلم , مسلم، سلمة بن الأكوع، 1145، صحيح.
  7. ^سورة البقرة , الآية 185.
  8. ^صحيح البخاري , البخاري، البراء بن عازب، 1915، صحيح.
  9. ^islamweb.net , متى وأين فرض الصيام ؟ , 23032021
  10. ^سورة آل عمران , الآية 41.
  11. ^سورة مريم , الآية 26.

المصدر: السعادة فور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى