تكنولوجيا

هل سيصبح الذكاء الاصطناعي الشريك الإستراتيجي الجديد لمجال المشتريات؟

بقلم كريغ هندري، الرئيس ومدير الهندسة في شركة (إفيشيو) Efficio.


أصبحنا نرى أخبار تقنيات الذكاء الاصطناعي في جميع الدورات الإخبارية والمحادثات العالمية والإقليمية والمحلية في جميع المجالات والصناعات، ويشبه هذا الانتشار ما حدث مع إطلاق شبكة الويب العالمية في التسعينيات، حيث أثار ظهور تقنية جديدة يمكن استخدامها في مختلف القطاعات والصناعات اهتمامًا غير مسبوق بين قادة تقنية المعلومات والمسؤولين التنفيذيين.

وبالنسبة لإدارة عمليات المشتريات على وجه الخصوص، فإن الذكاء الاصطناعي يَعد بتعزيز الكفاءة وتحسين الإنتاجية في العديد من المجالات من خلال أداء المزيد من المهام الإدارية، مما يسمح لمتخصصي المشتريات بالتركيز في الأولويات الإستراتيجية لديهم. وبينما ندخل حقبة جديدة من الشراء الذكي، يبحث كبار القادة في القطاعين العام والخاص عن طرق لتعزيز براعتهم التشغيلية، تسهم في الوقت ذاته بتوفير التكاليف.

ويُعد إدماج الذكاء الاصطناعي في إستراتيجيات الإدارة خطوة مهمة ضمن مقاربات تعزيز الإيرادات وخفض التكاليف، إذ يتفق ما يقرب من نصف كبار القادة أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر في أرباحهم النهائية في عام 2024، بينما أعطى 56% منهم الأولوية لحالات الاستخدام التي تؤثر بنحو مباشر في الإيرادات أو التكلفة.

وعلى الجانب الآخر، لا تزال هناك تساؤلات محورية حول كيفية عمل هذه التكنولوجيا في الواقع، وهل من الممكن الاعتماد على دقتها وأخلاقياتها لاتخاذ القرارات المؤثرة؟

 كما يجب على إدارات المشتريات أيضًا مراجعة أنظمة تقنية المعلومات الحالية والبيانات الموجودة ضمنها للتأكد من استعدادها لمثل هذه الأدوات، إذ إن الذكاء الاصطناعي ليس عصا سحرية؛ ولابد من وجود مستوى معين من حماية البيانات وتقنية المعلومات لمن يرغب في الحصول على المزايا الفعلية.

حالات استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال المشتريات:

لم تُحدد بعد حالات وفرص استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من قطاعات الأعمال والصناعات المختلفة، ولكن فرص القيمة المضافة لنماذج الذكاء الاصطناعي في مجال المشتريات بدأت تظهر بالفعل عبر دورة الحياة، إذ نشهد موجة أولية من الأتمتة، بما يشمل: تبسيط المهام مثل إنشاء المستندات وتحليل البيانات، مما يؤدي إلى زيادة الدقة وتحسين الكفاءة وتخفيض تكاليف التشغيل.

وعلى سبيل المثال، تعمل منصات اكتشاف الموردين المدعومة بالذكاء الاصطناعي على مطابقة احتياجات الشراء مع قاعدة بيانات واسعة من الموردين. ومن هنا؛ يمكن للذكاء الاصطناعي اقتراح الموردين المحتملين بناءً على التفاعلات السابقة ومقاييس الأداء.

ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا إجراء تقييم ديناميكي للموردين، وتحليل الموردين بناءً على معايير مختلفة بما يشمل: أوقات التسليم والجودة والتسعير ورضا العملاء. كما يعمل الذكاء الاصطناعي على تسريع وزيادة وتيرة عمليات البحث عن الموردين، وتقديم توصيات مستمرة بشأن الموردين الجدد المحتملين، بالإضافة إلى تحسين جودة اختيارات الموردين من خلال الاستفادة من البيانات بنحو فعال.

يمكن لقادة المشتريات أيضًا استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي لتسريع إنشاء المستندات وتوزيعها وتحليلها، بما يشمل: طلبات عروض الأسعار وطلبات المعلومات، ومن ثم تسريع وتحسين دقة تحديد المصادر وعملية المقارنة بينها.

وبعيدًا عن زيادة الكفاءة، فإن جذب المواهب الوطنية المناسبة والاحتفاظ بها يثير قلقًا كبيرًا لدى قادة المشتريات، وذلك في وقت تواجه فيه العديد من الشركات مشاكل في القدرات والإمكانات داخل فرق عملها. إما أن المؤسسات ليس لديها عدد كافٍ من الأشخاص أو أن فرقها الحالية لا تمتلك مجموعة المهارات المناسبة اللازمة لرفع مستوى المشتريات.

وفي هذه الحالة؛ يمكن أن تكون الأنظمة التي تدعم الذكاء الاصطناعي ذات دور حيوي من خلال تمكين الفرق من المراقبة المستمرة  لمؤشرات الأداء الرئيسية والمواعيد النهائية والتسليمات ومقاييس الامتثال.

كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحرر المتخصصين في مجال المشتريات من المسؤوليات المتكررة، مما يسمح لهم بالتركيز في المهام ذات القيمة العالية مثل التخطيط الإستراتيجي وحل المشكلات بطريقة إبداعية.

ونظرًا إلى أن تكاملات الذكاء الاصطناعي والنماذج اللغوية الكبيرة تمتد إلى ما هو أبعد من أتمتة المهام وتوفر رؤى حول التوجهات الرئيسية وأداء الموردين وتقييمات المخاطر، فإن ذلك سيمكن قسم المشتريات من اتخاذ قرارات سريعة تعتمد على البيانات، مما يتيح التحول نحو دور يؤكد على الذكاء العاطفي ويعزز دقة اتخاذ القرار وإدارة العلاقات. وسيكون هذا التحول عاملًا رئيسيُا في جذب المواهب المناسبة والاحتفاظ بها في الفريق.

تُعدّ حالات استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال المشتريات واضحة، ولكن التقنية والبيانات مقيدة بحدود إمكاناتها، ولهذا ستظل العناصر البشرية لبناء العلاقات مع الموردين والحفاظ عليها والوظائف المتعددة داخل الشركة أمرًا بالغ الأهمية. ولذلك، يجب أن يركز قسم المشتريات على استخدام الذكاء الاصطناعي كحليف لتسهيل الحصول على نتائج أفضل للموردين واجتياز المفاوضات المعقدة، بدعم من الذكاء العاطفي البشري باعتباره المحرك الرئيسي.

وفي النهاية، يمكن تحقيق أفضل النتائج من خلال مزيج من الذكاء البشري والاصطناعي، وكما هو الحال في أي تحول، لا بد من توظيف الإجراءات الصحيحة والتدريب لتحقيق ذلك.

العقبات التي تواجه تكامل الذكاء الاصطناعي:

تثير دائمًا التقنيات الجديدة التساؤلات والمخاوف والمفاهيم الخاطئة، ولا يختلف الحال مع الذكاء الاصطناعي. فهل يمكننا الوثوق به، وهل ستتبع النتيجة البروتوكول واللوائح والممارسات الأخلاقية الصحيحة؟

في الوقت الحالي، أقل من نصف الأشخاص على استعداد للثقة في أنظمة الذكاء الاصطناعي؛ ومع ذلك، لا بد من تعزيز الثقة قبل أن نتمكن من الاستفادة من التوصيات القائمة على الذكاء الاصطناعي.

ومن المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الذكاء الاصطناعي أن هذه التقنية ستحل محل البشر، ولكن تشير التقارير إلى أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل البشر، ولكنه سيعزز قدرات فرق المشتريات ويدعمها،  وذلك وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، ومن المتوقع أن يصل تأثير الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط إلى نحو 320 مليار دولار بحلول عام 2030.

ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بتسخير قوة الذكاء الاصطناعي، يجب أن يكون قادة المشتريات على دراية بالتحيزات المحتملة وأوجه عدم الدقة التي قد تكون موجودة في نماذج الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك في عملية صنع القرار والتوصيات؟

إذ يمكن للبيانات غير الكاملة أو غير المتسقة أو ذات الجودة الرديئة أن تحد من فعالية الذكاء الاصطناعي، مما قد يؤدي إلى اختيارات متحيزة للموردين، أو سوء تقدير لتوجهات السوق أو الصناعة، أو توقعات غير صحيحة حول أداء الموردين.

كما يمكن أن يكون للقرارات غير الدقيقة أو المتحيزة المستندة إلى الذكاء الاصطناعي في مجال المشتريات أيضًا آثار أخلاقية، مما يؤثر في علاقات الموردين والعدالة والثقة داخل منظومة سلسلة التوريد.

لذلك يُعدّ ضمان الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في المشتريات، وخاصة فيما يتعلق بخصوصية البيانات والعلاقات مع الموردين، تحديًا يجب على قادة المشتريات الحكومية في المنطقة التعامل معه بعناية عند تطبيق الذكاء الاصطناعي في مؤسساتهم.

ولتخفيض المخاطر، يجب على المؤسسات إجراء تقييم نقدي لحلول الذكاء الاصطناعي أثناء عملية الاختيار وإعداد مراجعات منتظمة لضمان التوافق المستمر مع الممارسات القياسية في القطاعات.

تمهيد الطريق أمام نجاح الذكاء الاصطناعي في المشتريات:

لكي يتمكن قادة المشتريات من استخدام الذكاء الاصطناعي بنحو فعال، يجب أن تقوم فرق العمل بترتيب الأمور الداخلية قبل التنفيذ. قد يتضمن ذلك ضمان التحقق من صحة البيانات لتقليل التحيزات وعدم الدقة في البيانات المستخدمة لتكملة نماذج الذكاء الاصطناعي وتدريبها. إذ تعمل نماذج الذكاء الاصطناعي في أفضل حالاتها إذا أُعدت العمليات الداخلية للمؤسسة بحيث يقوم النظام بتتبع وتحليل وتقديم الرؤى تلقائيًا بنحو مستقل.

كما تحتل الكفاءة وتحسين التكلفة واتخاذ القرارات الإستراتيجية في مجال المشتريات أهمية قصوى، وهنا يَعد الذكاء الاصطناعي مستخدميه بتغيير قواعد اللعبة، إذ يمكن للقدرات المتقدمة أن تجعل الذكاء الاصطناعي قادرًا على خوض المفاوضات المعقدة، والتنبؤ بتوجهات السوق، والمساهمة في مبادرات الاستدامة. ومن خلال الاسترشاد بالرؤى المستندة إلى الذكاء الاصطناعي، من المرجح أن يصبح دور مختص المشتريات أقل تفاعلية وأكثر إستراتيجية، ولكن ذلك يتطلب أن تبدأ فرق المشتريات بالطريقة الصحيحة وأن يكون لديها الإعداد والعمليات المناسبة.

لذا، فإن السؤال الفعلي هو: هل نحن مستعدون وقادرون على دفع المشتريات إلى جوانب جديدة من خلال تضافر الذكاء البشري وبراعة الذكاء الاصطناعي؟ نعم؛ لقد أصبح تحسين عمليات المشتريات أقرب مما نعتقد: ومن المرجح أن يكون تأثير الذكاء الاصطناعي واسعًا، وأن يكون تأثيره في المشتريات جليًا إذا جرى استخدامه بالنحو الصحيح.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى