تكنولوجيا

كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في الحد من تفشي مرض الملاريا؟

أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا حيويًا من مجال الرعاية الصحية، إذ وصل الأمر حاليًا إلى اكتشاف أدوية جديدة، فقد استخدمت شركة (إنسيليكو ميدسن) Insilico Medicine الذكاء الاصطناعي لتطوير دواء تجريبي لمرض التليف الرئوي المستعصي المجهول السبب، ويعد العلاج حاليًا في منتصف المرحلة التجريبية في الولايات المتحدة والصين، وستصدر الشركة بعض النتائج المتوقعة في أوائل عام 2025.

ويُعد مرض الملاريا واحد من الأمراض المنتشرة بكثرة حتى الآن، إذ تشير تقديرات (منظمة الصحة العالمية)  إلى أن ما يقرب من 250 مليون شخص يصابون بالملاريا كل عام، وقد فارق الحياة  أكثر من 600 ألف شخص بسبب هذا المرض خلال سنة 2021.

ينجم مرض الملاريا عن طفيليات البلازموديوم التي تنتشر بين البشر عن طريق لدغات البعوض، لذلك تتمثل إحدى طرق الحد من تأثير الملاريا في فهم البعوض والبيئات التي تساعد على انتشاره بشكل أفضل؛ فمن الملاحظ أن هذه الحشرات تتكاثر أعدادها وتتزايد في البيئات الحارة والرطبة.

كما أن الأمراض التي ينقلها البعوض مثل: الملاريا تنتشر على نطاق واسع في المناطق القريبة من خط الاستواء، مثل: أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأجزاء من آسيا والأمريكتين. وبالتزامن مع ارتفاع درجات حرارة الأرض وتزايد معدلات الرطوبة بسبب التغيرات المناخية في العالم، فمن المتوقع أن يصبح تفشي فيروس الملاريا أكثر شراسة، ويستمر لفترة أطول، ويظهر في مناطق لم تعرف ظهوره من قبل الأمر الذي قد يعرض المزيد من السكان لخطر الإصابة بهذا المرض.

لذلك يعمل العديد من العلماء والباحثين في جميع أنحاء العالم على اكتشاف حلول وتقنيات جديدة تساعد في الحد من تفشي مرض الملاريا، وسنستعرض في هذا المقال اليوم أبرز الإنجازات في هذا المجال:

موضوعات ذات صلة بما تقرأ الآن:

جهاز Remoscope للكشف عن طفيليات الملاريا:

ابتكر مجموعة من العلماء الذين يتعاونون مع منظمة (Chan Zuckerberg Biohub) غير الربحية – التي يمولها مارك زوكربيرج وزوجته لتطوير قطاعي الصحة والتعليم – جهازًا يُسمى (ريموسكوب) Remoscope، وهو مجهر يستخدم التعلم الآلي للكشف عن طفيليات الملاريا بسرعة وكفاءة عالية. فالطريقة الشائعة المتوفرة لتشخيص الملاريا، هي استخدام المجهر لفحص عينات الدم، ولكن هذه الطريقة تستغرق وقتًا طويلاً وتتطلب موظفين ذوي مهارات عالية.

ولكن بعد تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي في جهاز (ريموسكوب) على صور الطفيليات والخلايا السليمة، أصبح قادرًا على فحص 40 عينة دم من المرضى يوميًا، مما يضاعف تقريبًا إنتاجية فني واحد.

يعمل جهاز (Remscope) على أتمتة عملية فحص العينات، ويساعد في تجنب الأخطاء التي يرتكبها الفنيون المرهقون، الذين يخلطون أحيانًا بين الصفائح الدموية والطفيليات أو يخطئون في حساب الطفيليات.

بالإضافة إلى ذلك؛ لا يتطلب جهاز (Remscope) أي خبرة لاستخدامه، فكل ما يتطلبه الأمر أن يضع شخص ما عينة الدم على الشريحة، ثم يُجري الجهاز الاختبار تلقائيًا، ويستغرق الجهاز نحو 15 دقيقة لتحليل النتائج. وقد أظهرت النتائج تحسنًا كبيرًا في التعرف على طفيليات الملاريا بالمقارنة بالفحص المجهري اليدوي التقليدي.

تساعد هذه المزايا المتوفرة في الجهاز في تسهيل اكتشاف المرض في القرى النائية حيث لا يوجد الفنيون ذوي الخبرة. وهذا من شأنه يقلل أجور الفنيين، الذين يجب أن يتلقوا أشهرًا من التدريب ويصبحوا معتمدين من منظمة الصحة العالمية قبل الذهاب إلى الخدمة، بالإضافة إلى زيادة سرعة التشخيص بالمرض.

جهود جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي:

كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في الحد من تفشي مرض الملاريا؟
البروفيسور عبد المطلب الصديق، أستاذ الرؤية الحاسوبية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.

يعمل فريق من الباحثين في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تحت إشراف البروفيسور عبد المطلب الصديق، أستاذ الرؤية الحاسوبية، على تطوير تطبيقات تعتمد الذكاء الاصطناعي كوسيلة لمساعدة الأطباء ومسؤولي قطاع الصحة العامة في إندونيسيا على الحد من تأثير فيروس الملاريا على سكان البلاد البالغ عددهم 270 مليون نسمة.

يعمل البروفيسور الصديق وفريقه على تطوير خوارزمية تعلم آلي تحلل بيانات الحالة الجوية والوبائية والجغرافية وغيرها من البيانات الأخرى، اعتمادًا على منظومة من أجهزة الاستشعار التي تجمع المعلومات من جميع أنحاء البلاد، بما يشمل: القرى النائية، وتحلل بيانات المستشعرات بإدماجها لبناء صورة متكاملة ودقيقة للأماكن التي قد تنشأ فيها بؤر لتفشي الملاريا.

إذ تقوم الخوارزمية التي يعمل البروفيسور وفريقه على تطويرها بتوليد صورة افتراضية للبيئة تكون عبارة عن (نسخة رقمية). وتُمكن هذه المقاربة من توفير توقعات دقيقة عن حالة الطقس، كما تتيح صورة شبه لحظية عن البيئة، مما يساعد في تزويد المسؤولين بمعلومات مفصلة حول المكان الذي قد يحدث فيه تفشٍ محتمل للملاريا.

وبهدف تحديد السمات المتكررة التي تسهم في تفشي فيروس الملاريا، تخضع البيانات المجمعة من المستشعرات للمعالجة اعتمادًا على تقنيات الذكاء الاصطناعي وأدوات التحليل التجميعي.

الجدير بالذكر أن هذا المشروع يحظى بدعم برنامج (صندوق بلوغ الميل الأخير)، الذي يدير محفظة مبادرات عالمية في قطاع الصحة الممولة بتبرعات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات.

كما يشارك في المشروع من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كل من البروفيسور محمد يعقوب، الأستاذ المشارك في قسم الرؤية الحاسوبية؛ والسيد حسني غديرا، مدير إدارة الخدمات البحثية.

تطوير تطبيق لتحسين عملية التشخيص:

تتوفر اليوم العديد من الاختبارات التي يمكن استخدامها لتشخيص الإصابة بالملاريا، ويُعد سحب عينة دم صغيرة من المريض وإضافة مواد خاصة عليها، ثم فحصها تحت المجهر واحدة من هذه الطرق. كما يشكل التشخيص الدقيق لتحديد نوع الطفيلي مرحلة ضرورية لضمان فعالية العلاج.

ورغم بساطة الكشف عن الإصابة بالملاريا، فإن العديد من الأشخاص يصابون بها في المناطق النائية حيث الموارد المحدودة، وفي القرى الصغيرة التي يُمكن ألا تتوّفر فيها الأطقم الطبية المدربة والقادرة على قراءة نتائج اختبار الملاريا بالشكل الصحيح.

ولحل هذه المشكلة؛ يطور البروفيسور الصديق وفريقه أيضًا تطبيقًا لتحليل الصور المجهرية وتحديد نوع العدوى ومرحلة تطور الإصابة بالملاريا، إذ يعتمد هذا التطبيق على مبادئ الرؤية الحاسوبية لتحديد الخصائص في الصور التي تشير إلى الإصابة بالملاريا.

وبالنظر إلى الاختلافات في نوع فيروس الملاريا في جنوب شرق آسيا عنه في أفريقيا، فإن مهمة التطبيق الذي يطوره البروفيسور وفريقه ليست بالسهلة علمًا أن هذه الفوارق في الأنواع ينتج عنها اختلافات في كيفية ظهور أعراض المرض في الصور المجهرية.

ويوضح الصديق هذا التحدي قائلًا: “إن هذا التحدي واحد من جميع التحديات التي تطرحها الرؤية الحاسوبية، فإننا بحاجة إلى ما يكفي من البيانات الجيدة لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي، وقد حددنا مجموعات البيانات والصور المشروحة التي ستمكننا من تدريب هذه النماذج لتصبح قادرة على إنتاج توقعات مناسبة”.

وأضاف: “التطبيق بحاجة إلى أن يكون فعالًا أيضًا من حيث قدراته الحوسبية وكمية البيانات التي يستقبلها ويرسلها عبر الشبكة، لذلك نريد أن يكون التطبيق قابلًا للاستخدام عبر أي نوع من أنواع الاتصالات المحمولة، خاصة في المناطق النائية مثل: غابة بَابوا الوسطى في إندونيسيا، كما يجب أن يكون التطبيق ذو حجم صغير حتى يمكن استعماله على جهاز محمول واعتمادًا على التطبيق، ستُحلل الصور في الجهاز، وعند اكتشاف حالة إصابة بالملاريا، يمكن مشاركة تلك المعلومات مع الجهات الصحية حتى تكون على علم بالحالات ويمكنها اتخاذ الخطوات والإجراءات المناسبة”.

كما يمكن استخدام البيانات التي تُجمع من خلال التطبيق لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي للتوقعات الذي يطوره البروفيسور وفريقه.

فكرة المشروع:

بدأ فريق البروفيسور الصديق العمل على مشروع تطوير التطبيق في وقت سابق خلال هذا العام، وفعلًا طوروا نسخة تطبيق للأجهزة المحمولة يمكنها كشف الإصابة بالملاريا من الصور. وفضلا عن هذا، فإن المشروع آخذ في التوسع خارج إندونيسيا، وفريق العمل يتعاون مع الأطباء في الهند لمعرفة المزايا القيمة للأطباء.

ويتطلع البروفيسور الصديق في غضون الأشهر القليلة المقبلة إلى توفير النسخة الكاملة الأولى من التطبيق لشركائه في إندونيسيا وإخضاع النظام للاختبارات الضرورية. وأشار البروفيسور، في هذا السياق، قائلا: “إن أهم الجوانب في عملنا هي تلك المتصلة باستخدام إمكانات الذكاء الاصطناعي لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح، وتوظِيفها لخدمة الإنسانية والمجتمع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى